فصل: الحديث الحادى عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العَاشِر:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن تتَّخذ الْقُبُور محاريب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث جُنْدُب بن عبد الله، وَيُقَال: ابْن سُفْيَان قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يَمُوت بِخمْس وَهُوَ يَقُول: إِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله أَن يكون لي مِنْكُم خَلِيل؛ فَإِن الله عَزَّ وَجَلَّ قد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا؛ وَلَو كنت متخذًا من أمتِي خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا، أَلا وَإِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا يتخذون قُبُور أَنْبِيَائهمْ وصالحيهم مَسَاجِد، أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد، إِني أنهاكم عَن ذَلِك».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَا: «لما نزلت برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم طفق يطْرَح خميصة لَهُ عَلَى وَجهه، فَإِذا اغتم كشفها عَن وَجهه فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك: لعنة الله عَلَى الْيَهُود والنصاري، اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد يحذر مَا صَنَعُوا».
وَفِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، «قَاتل الله الْيَهُود؛ اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد».

.الحديث الحادى عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحمل أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ وَهُوَ فِي صلَاته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح. كَمَا تقدم فِي بَاب الِاجْتِهَاد بفوائده.

.الحديث الثَّانِي عشر:

رَوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أصَاب خف أحدكُم أَذَى، فليدلكه بِالْأَرْضِ؛ فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق ثَلَاثَة:
أَحدهَا: من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث أبي الْمُغيرَة، والوليد بن مزِيد، وعمر بن عبد الْوَاحِد، عَن الْأَوْزَاعِيّ الْمَعْنى، أنبئت أَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري حدث عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا وطئ أحدكُم بنعله الْأَذَى، فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن ابْن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنَاهُ «إِذا وطئ أحدكُم الْأَذَى بخفيه، فطهورهما التُّرَاب».
وَمُحَمّد بن كثير هَذَا من رجال د ت س، وَهُوَ صنعاني مولَى ثَقِيف، ضعفه أَحْمد جدًّا وَقَالَ: مُنكر الحَدِيث قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: ذكره أبي فضعفه جدًّا، وَضعف حَدِيثه عَن معمر جدًّا. وَقَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل: قَالَ أبي: مُحَمَّد بن كثير لم يكن عِنْدِي بِثِقَة. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد أَيْضا عَن أَبِيه: إِنَّه مُنكر الحَدِيث ويروي أَشْيَاء مُنكرَة. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: كنت أشتهي أَن أرَاهُ، فَلَمَّا ذكر حَدِيثا من رِوَايَته قلت: الْآن لَا أحب أَن أرَاهُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: لَهُ رِوَايَات عَن الْأَوْزَاعِيّ لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا أحد، وَذكر ابْن سعد أَنه اخْتَلَط بِأخرَة، قَالَ: وَكَانَ ثِقَة، وَتكلم فِيهِ أَبُو حَاتِم وجرحه قَالَ أَبُو حَاتِم: دفع إِلَيْهِ كتاب الْأَوْزَاعِيّ فَرَوَاهُ عَنهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد. وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّه صَدُوق وَوَثَّقَهُ يَحْيَى، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَأما مُحَمَّد بن عجلَان فَهُوَ صَدُوق رَوَى لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وَالْبُخَارِيّ فِي الشواهد وَذكره فِي الضُّعَفَاء، وَرَوَى لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وتكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَوَثَّقَهُ غير وَاحِد مِنْهُم أَحْمد وَيَحْيَى، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته من أَتبَاع التَّابِعين، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا عيب فِيهِ بل هُوَ أحد الثِّقَات إِلَّا أَنه سُوَى أَحَادِيث المَقْبُري. وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث بِحَسب آرائهم فِي هذَيْن الرجلَيْن، فَأوردهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ بِسَنَدِهِ بِلَفْظ «إِذا وطئ أحدكُم بخفيه- أَو قَالَ: بنعليه الْأَذَى فطهورهما التُّرَاب».
ثمَّ جعله معلولًا بمخالفة أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ لمُحَمد بن كثير فِي إِقَامَة إِسْنَاده، فَرَوَاهُ من طَرِيق الْوَلِيد بن مزِيد، عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ:
أنبئت أَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري حدث عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج وَعمر بن عبد الْوَاحِد، وهما أعرف بالأوزاعى. قَالَ: فَصَارَ الحَدِيث بذلك معلولًا قَالَ: وَقد ضعف الشَّافِعِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي الْإِمْلَاء، وَرَوَاهُ- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا- من حَدِيث سعيد عَن أبي هُرَيْرَة بِإِسْقَاط أَبِيه أَيْضا، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي علله: رُوِيَ عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن سعيد أَن امْرَأَة سَأَلت عَائِشَة... مَوْقُوف.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: مُحَمَّد بن كثير هَذَا يروي عَن الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره، وَهُوَ ضَعِيف وأضعف مَا هُوَ فِي الْأَوْزَاعِيّ، ثمَّ نقل مقالات أَحْمد السالفة فِيهِ، ثمَّ قَالَ: فعلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يظنّ بِهَذَا الحَدِيث أَنه صَحِيح من هَذَا الطَّرِيق، وتضعيفه الحَدِيث بِسَبَب مُحَمَّد بن كثير هَذَا مُخَالف لتصحيحه حَدِيثه عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أنس «جَاءَت أم سليم...» الحَدِيث الْمَشْهُور فِي الْغسْل، رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيثه نَا الْأَوْزَاعِيّ فَذكره، وَقَالَ ابْن عبد الْحق فِيمَا رده عَلَى الْمُحَلَّى: هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن كثير الصَّنْعَانِيّ، ثمَّ ذكر قَول أَحْمد وَغَيره فِيهِ، وَقَالَ الْحَافِظ زَكى الدَّين الْمُنْذِرِيّ بعد أَن أخرجه من طريقي أبي دَاوُد: كِلَاهُمَا ضَعِيف، أما الأول فَفِي إِسْنَاده مَجْهُول- وَلم يظْهر لي ذَلِك- وَأما الثَّانِي فأعله بِابْن عجلَان، وَأعْرض عَن مُحَمَّد بن كثير فَلم يعله بِهِ، وَلَو عكس كَانَ أصوب.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طرق كلهَا ضَعِيفَة. كَذَا قَالَ: من طرق، وَقد أسلفنا لَك نَص رِوَايَته فتأملها.
وَخَالف هَؤُلَاءِ جماعات فصححوه مِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ بِلَفْظ «إِذا وطئ أحدكُم بخفيه أَو نَعْلَيْه، فطهورهما التُّرَاب».، وَمِنْهُم ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه أَيْضا فِي صَحِيحه من حَدِيث الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن سعيد بِهِ، وَقَالَ: «لَهَا طهُور» بدل «لَهُ طهُور»، وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن كثير بِهِ بِلَفْظ: «إِذا وطئ أحدكُم بخفيه، فطهورهما التُّرَاب». وَمِنْهُم الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورين، لكنه قَالَ فِي الأول عَن الْأَوْزَاعِيّ: إِنَّه قَالَ: «أنبئت أَن سعيد بن أبي سعيد...» فَذكره بِلَفْظ أبي حَاتِم، وَلَفظه فِي الثَّانِي: «إِذا وطئ أحدكُم بنعليه فِي الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهُ طهُور». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم؛ فَإِن مُحَمَّد بن كثير هَذَا صَدُوق، وَقد حفظ فِي إِسْنَاده ذكر ابْن عجلَان وَلم يخرجَاهُ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد قَالَ: أَخْبرنِي أَيْضا سعيد بن أبي سعيد، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة، كَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن سمْعَان أَن سعيدًا المَقْبُري حَدثهُ عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم أَنه حَدثهُ عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا وطئ أحدكُم بنعليه الْأَذَى فَإِن التُّرَاب لَهما طهُور».
قَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي طَرِيق أبي دَاوُد: إسنادها حسن قلت: وَفِي ذَلِك نظر؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطع، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: الطَّرِيق فِيهِ لَيْسَ بواضح إِلَى أبي سعيد وَهُوَ مُرْسل، الْقَعْقَاع لم يسمع من عَائِشَة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: بل وردنا يَقْتَضِي إِبْطَاله- يَعْنِي: سَمَاعه مِنْهَا- فَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن روح بن الْقَاسِم رَوَى عَن عبد الله بن سمْعَان، عَن المَقْبُري، عَن الْقَعْقَاع، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل يطَأ بنعليه الْأَذَى فَقَالَ: التُّرَاب طهُور». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مدَار الحَدِيث عَلَى ابْن سمْعَان وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث أشبه بِالصَّوَابِ من غَيره من الطّرق مَعَ ضعفه. وَأما ابْن السكن فَذكره فِي السّنَن الصِّحَاح المأثورة.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن ابْن وهب، عَن الْحَارِث بن نَبهَان، عَن رجل، عَن إنس ابْن مَالك أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد، فَإِن كَانَ لَيْلًا فليدلك نَعْلَيْه، وَإِن كَانَ نَهَارا فَلْينْظر إِلَى أَسْفَلهَا».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَقَالَ: فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، قلت: والْحَارث بن نَبهَان ضَعَّفُوهُ قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.

.الحديث الثَّالِث عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خلع نَعله، فَخلع النَّاس نعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى صلَاته قَالَ: مَا حملكم عَلَى صنيعكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
أَحدهَا: من طَرِيق أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضى الله عَنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه مُنْفَردا بِهِ عَن الْجَمَاعَة من حَدِيث حَمَّاد- وَهُوَ ابْن سَلمَة- عَن أبي نعَامَة السَّعْدِيّ، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ- رضى الله عَنهُ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خلع نَعْلَيْه فوضعهما عَن يسَاره، فَلَمَّا رَأَى ذَلِك الْقَوْم ألقوا نعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته قَالَ: مَا حملكم عَلَى إلقائكم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا، فَإِذا جَاءَ أحدكُم إِلَى الْمَسْجِد، فَلْينْظر فَإِن رَأَى فِي نَعْلَيْه قذرًا أَو أَذَى فليمسحه وَليصل فيهمَا».
قَالَ أَبُو دَاوُد: نَا مُوسَى، نَا أبان، ثَنَا قَتَادَة، حَدثنِي بكر بن عبد الله، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا قَالَ: «فيهمَا خبث» فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك بِلَفْظ «الْخبث». وَقَالَ: «فليمسه بِالْأَرْضِ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَالَ فِي حَمَّاد وَأبي نعَامَة وَأبي نَضرة: كل وَاحِد مِنْهُم مُخْتَلف فِي عَدَالَته وَكَذَلِكَ لم يحْتَج البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح بِوَاحِد مِنْهُم.
قلت: قد أخرج لَهُم مُسلم، وَحَمَّاد ثِقَة ثَبت، وَأَبُو نعَامَة وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَأَبُو نَضرة وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة أَيْضا، وَقد استدركه عَلَى مُسلم الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فَرَوَاهُ فِي آخر صَلَاة الْجَمَاعَة مِنْهُ، عَن أبي الْعَبَّاس المحبوبي، عَن سعيد بن مَسْعُود، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي نعَامَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى فَخلع نَعْلَيْه، فَخلع النَّاس نعَالهمْ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا، قَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن فيهمَا خبثًا، فَإِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد، فليقلب نَعْلَيْه فَلْينْظر فيهمَا فَإِن وجد خبثًا فليمسحهما بِالْأَرْضِ، ثمَّ ليصل فيهمَا».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا فِي صَحِيحه من حَدِيث يزِيد بن هَارُون أَيْضا، عَن حَمَّاد بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن الْفضل بن حباب، عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي نعَامَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا صَلَّى خلع نَعْلَيْه فوضعهما عَن يسَاره، فَخلع الْقَوْم نعَالهمْ، فَلَمَّا قَضَى صلَاته قَالَ: مَا لكم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا، قَالَ: إِنِّي لم أخلعهما من بَأْس، وَلَكِن جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا، فَإِذا أَتَى أحدكُم الْمَسْجِد فَلْينْظر فِي نَعْلَيْه فَإِن كَانَ فيهمَا أَذَى فليمسحه». وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي سعيد هَذَا فَقَالَ: رُوِيَ مُرْسلا بِإِسْقَاط أبي سعيد، ومتصلًا بإثباته وَهُوَ أشبه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي نعَامَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، وَرَوَاهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن أبي نعَامَة مُرْسلا قَالَ: وَمن قَالَ فِيهِ عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة- فقد وهم، وَالصَّحِيح عَن أَيُّوب سَمعه من أبي نعَامَة لم يحفظ إِسْنَاده فَأرْسلهُ، وَالْقَوْل قَول من قَالَ: عَن أبي سعيد.
تَنْبِيه: نقل النَّوَوِيّ فِي خلاصته وشرح الْمُهَذّب عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَلم أر ذَلِك فِيهِ، إِنَّمَا فِيهِ أَنه عَلَى شَرط مُسلم، وَهُوَ المطابق لإسناده أَيْضا، نعم قَالَ الْحَاكِم ذَلِك فِي طَرِيق أنس الْآتِي إِثْر هَذَا، وَالنَّوَوِيّ لم يذكرهَا، إِنَّمَا ذكرهَا من طَرِيق أبي سعيد فَتنبه لذَلِك.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي أَوَائِل كتاب الطَّهَارَة مِنْهُ، عَن مُحَمَّد بن صَالح وَإِبْرَاهِيم بن عصمَة قَالَا: ثَنَا السّري بن خُزَيْمَة، نَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ، عَن ثُمَامَة، عَن أنس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخلع نَعْلَيْه فِي الصَّلَاة قطّ إِلَّا مرّة وَاحِدَة، خلع فَخلع النَّاس، فَقَالَ: مالكم؟ قَالُوا: خلعت فخلعنا، فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن فيهمَا قذرًا أَو أَذَى».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، فقد احْتج بِعَبْد الله بن الْمثنى وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وَشَاهده الحَدِيث الْمَشْهُور عَن مَيْمُون الْأَعْوَر، حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن صَالح وَإِبْرَاهِيم بن عصمَة قَالَا: ثَنَا السّري بن خُزَيْمَة، ثَنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، ثَنَا أَبُو حَمْزَة، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «خلع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعله فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي...» الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ابْن مَسْعُود- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سقناه آنِفا وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة.
وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق رَابِع وخامس لكنهما ضعيفان فالرابع عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ: الصَّلَاة فِي النَّعْلَيْنِ، وَقد صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَعْلَيْه فخلعهما فَخلع النَّاس، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: «لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا. قَالَ: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَقَالَ: إِن فيهمَا دم حلمة».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث صَالح بن بَيَان، نَا فرات بن السَّائِب، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف؛ صَالح بن بَيَان يروي الْمَنَاكِير عَن الثِّقَات، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك، وفرات بن السَّائِب مَتْرُوك، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث تَرَكُوهُ. والحلمة: القراد الْعَظِيم.
وَلِحَدِيث ابْن عَبَّاس طَرِيق آخر يُخَالف السَّبَب الْمَذْكُور فِي خلع النَّعْل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخلع نَعْلَيْه فخلعنا نعالنا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة قَالَ: لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك خلعت فخلعنا. قَالَ: إِنِّي بللت مِنْهُمَا». وَمُحَمّد هَذَا أَظُنهُ الْعَرْزَمِي الْمَتْرُوك.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن يزِيد بن عبد الله بن الشخير، عَن أَبِيه قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخلع نَعْلَيْه وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فَخلع الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ نعَالهمْ، فَخلع الصَّفّ الَّذِي يليهم نعَالهمْ. فَقَالَ لَهُم: لم خلعتم نعالكم؟ قَالُوا: خلعت يَا رَسُول الله، فَخلع الصَّفّ الَّذِي يليك نعَالهمْ فخلعنا نعالنا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل فَذكر أَن فِي نَعْلي قذرًا فخلعتهما، فصلوا فِي نعالكم».
فِي إِسْنَاده الرّبيع بن بدر السَّعْدِيّ عُلَيْلُة تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره.

.الحديث الرَّابِع عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تُعَاد الصَّلَاة من قدر الدِّرْهَم من الدَّم».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف بِمرَّة. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه عَن الزُّهْرِيّ غير روح بن غطيف أَي وَهُوَ بِضَم الْعين الْمُعْجَمَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة- وَهُوَ مَتْرُوك، ثمَّ قَالَ فِي علله: يرويهِ روح، عَن الزُّهْرِيّ، وَاخْتلف فِيهِ، فَقَالَ: الْقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ، عَن روح بن غطيف، عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ: أَسد بن عَمْرو البَجلِيّ، عَن غطيف الطَّائِفِي، عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ روح بن غطيف. كَمَا قَالَ الْقَاسِم بن مَالك، وروح ضَعِيف، وَلَا يعرف هَذَا عَن الزُّهْرِيّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت، قَالَ البُخَارِيّ: روح مُنكر الحَدِيث، وَكَذَا قَالَ فِي الْمعرفَة: إِنَّه لم يثبت وَقد أنكرهُ عَلَى روح عبد الله بن الْمُبَارك وَيَحْيَى بن معِين، وَغَيرهمَا من الْحفاظ.
قلت: وَعبارَة ابْن حبَان فِيهِ أَنه يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث جدًّا، وَرَوَى الْعقيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: قد رَأَيْت روح بن غطيف «صَاحب الدَّم قدر الدِّرْهَم» عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَست إِلَيْهِ مَجْلِسا، فَجعلت: أستحي من أَصْحَابِي أَن يروني جَالِسا مَعَه؛ لِكَثْرَة مَا فِي حَدِيثه- يَعْنِي: من الْمَنَاكِير.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وأبنا أَبُو سعد الْمَالِينِي، نَا أَبُو أَحْمد بن عدي، ثَنَا مُحَمَّد بن مُنِير، ثَنَا أَحْمد بن الْعَبَّاس قَالَ: قلت ليحيى بن معِين: تحفظ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «تُعَاد الصَّلَاة من مِقْدَار الدِّرْهَم»؟ فَقَالَ: لَا وَالله، ثمَّ قَالَ: من؟ قلت: ثَنَا مُحرز بن عون، قَالَ: ثِقَة عَمَّن؟ قلت: الْقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ، قَالَ: ثِقَة عَمَّن؟ قلت: عَن روح بن غطيف قَالَ: هاه، قلت: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، مَا أرَى أَتَيْنَا إِلَّا من روح بن غطيف قَالَ: أجل، قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا لَا يرويهِ عَن الزُّهْرِيّ فِيمَا أعلمهُ غير روح بن غطيف وَهُوَ مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قَالَ: وروح بن غطيف رَأَيْته قَلِيل الرِّوَايَة لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث، وَمِقْدَار مَا يرويهِ من الحَدِيث لَيْسَ بِمَحْفُوظ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِيمَا بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: أَخَاف أَن يكون هَذَا مَوْضُوعا، وروح هَذَا مَجْهُول.
قلت: فِي جهالته وَقْفَة، فقد رَوَى عَنهُ الْقَاسِم بن مَالك وَنصر بن حَمَّاد وأَسد بن عَمْرو البَجلِيّ وَعرف النَّاس دبره كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهُم، وَجزم بِكَوْنِهِ مَوْضُوعا ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي مَوْضُوعَاته من طرق، عَن أبي هُرَيْرَة، وضعفها كلهَا، ثمَّ نقل عَن البُخَارِيّ أَنه حَدِيث بَاطِل، وَكَذَا نَقله الْعقيلِيّ عَنهُ، وَقَالَ ابْن حبَان: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شكّ فِيهِ، مَا قَالَه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ اختراع اخترعه أهل الْكُوفَة فِي الْإِسْلَام.
وَوَقع فِي الْمِيزَان للذهبي أَن هَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ عَن روح: الْقَاسِم بن مَالك، وَقد أسلفنا لَك من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله أَن أَسد بن عَمْرو البَجلِيّ رَوَاهُ عَنهُ أَيْضا، فَلم ينْفَرد إِذن.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تنزهوا من الْبَوْل».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء، فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث السَّادِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تكشف فخذك، وَلَا تنظر إِلَى فَخذ حَيّ وَلَا ميت»، وَيروَى: «وَلَا تبرز فخذك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي الْجَنَائِز وَكتاب الْحمام من حَدِيث ابْن جريج قَالَ: أخْبرت عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَلَفظه فِي كتاب الْحمام: «لَا تكشف»، وَفِي الْجَنَائِز: «لَا تبرز».
وَقد ذكر الرَّافِعِيّ اللَّفْظَيْنِ ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ نَكَارَة، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه فِي الْجَنَائِز من حَدِيث روح بن عبَادَة عَن ابْن جريج عَن حبيب بِهِ بِلَفْظ «لَا تبرز». وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي اللبَاس فِي مُسْتَدْركه كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا، وَكَذَا الْبَزَّار فِي مُسْنده، ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عَلّي مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قلت: وأعل هَذَا الحَدِيث بالطعن فِي عَاصِم والانقطاع، أما الأول فَقَالَ ابْن عدي: إِنَّه ينْفَرد عَن عَلّي بِأَحَادِيث بَاطِلَة لَا يُتَابِعه الثِّقَات عَلَيْهَا والبلية مِنْهُ، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ، فَاحش الْخَطَأ، يرفع عَن عَلّي قَوْله كثيرا، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك. نعم وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَكَذَا ابْن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
وَأما الِانْقِطَاع فَفِي مَوْضُوعَيْنِ أَحدهمَا: بَين ابْن جريج وحبِيب بن أبي ثَابت كَمَا هُوَ ظَاهر رِوَايَة أبي دَاوُد الأولَى؛ حَيْثُ قَالَ: أخْبرت، وَثَانِيهمَا: بَين حبيب وَعَاصِم فَإِنَّهُ لم يسمعهُ مِنْهُ.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ حجاج، عَن ابْن جريج، قَالَ: أخْبرت، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بِهِ قَالَ: وَابْن جريج لم يسمع هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد من حبيب؛ إِنَّمَا هُوَ من حَدِيث عَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ، وَلَا يثبت لحبيب رِوَايَة عَن عَاصِم، فَأرَى أَن ابْن جريج أَخذ من الْحسن بن ذكْوَان، عَن عَمْرو بن خَالِد، عَن حبيب، وَالْحسن وَعَمْرو: ضعيفان فِي الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْقطَّان كتاب أَحْكَام النّظر: كل رِجَاله ثِقَات، وَلَكِن الِانْقِطَاع فِيهِ بَين ابْن جريج وحبِيب فِي قَوْله: أخْبرت، وَزعم ابْن معِين أَيْضا أَنه مُنْقَطع فِي مَوضِع آخر، وَهُوَ مَا بَين حبيب وَعَاصِم بن ضَمرَة، وَأَن حبيبًا لم يسمعهُ من عَاصِم، وَأَن بَينهمَا رجلا لَيْسَ بِثِقَة.
وَقَالَ الْبَزَّار ذَلِك أَيْضا، وَفسّر الرجل الَّذِي بَينهمَا بِأَنَّهُ عَمْرو بن خَالِد وَهُوَ مَتْرُوك، فعلَى هَذَا يكون إِسْنَاده سُوِّيَ، وَلَا أدرى من سواهُ، وَابْن جريج لَا يعرف بالتسوية إِنَّمَا يعرف بالتدليس. قَالَ: وَأحسن من هَذَا الْإِسْنَاد، وَمن هَذَا الحَدِيث مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث روح بن عبَادَة، نَا ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي مَرْفُوعا: «لَا تكشف فخذك؛ فَإِن الْفَخْذ عَورَة».
قَالَ: وَهَذَا أَيْضا رِجَاله ثِقَات، والانقطاع الذي فِي الأولَى بَين ابْن جريج وحبِيب زَالَ هُنَا، وَقد رَوَاهُ يزِيد بن عبد الله الْقرشِي، عَن ابْن جريج، كَذَلِك أَفَادَهُ بن عدي. قلت: وَكَذَا أخرجه عبد الله بن أَحْمد، فَقَالَ: حَدثنِي عبيد الله بن عمر القواريري حَدثنِي يزِيد أَبُو خَالِد الْقرشِي، حَدثنِي ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي مَرْفُوعا فَذكره بِمثل لفظ ابْن مَاجَه، وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ أعل الحَدِيث بِمَا تقدم وَبِزِيَادَة وهم فِيهَا فَقَالَ فِي محلاه: فَإِن ذكرُوا الْأَخْبَار الْوَاهِيَة «أَن الْفَخْذ عَورَة» فَهِيَ كلهَا سَاقِطَة، وَذكر فِيهَا هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّه مُنْقَطع رَوَاهُ ابْن جريج، عَن حبيب، وَلم يسمعهُ مِنْهُ بَينهمَا من لم يسم وَلَا يُدْرَى من هُوَ، وَرَوَاهُ حبيب عَن عَاصِم وَلم يسمعهُ مِنْهُ. قَالَ ابْن معِين: بَينهمَا رجل لَيْسَ بِثِقَة، وَلم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا أَبُو خَالِد وَلَا يُدْرَى من هُوَ، هَذَا كَلَامه وَقد علمت أَن عبد الله بن أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ أَخْرجَاهُ من حَدِيث ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي حبيب، وَإِن كَانَ فِي أبي دَاوُد أُخبرت عَن حبيب، فَيكون لم يسمعهُ مِنْهُ أَولا، ثمَّ سَمعه مِنْهُ ثَانِيًا، فطاح قَوْله: «بَينهمَا من لم يسم وَلَا يُدْرَى من هُوَ».
وَقَوله: «وَلم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا أَبُو خَالِد» وهم قَبِيح؛ فقد رَوَاهُ عَنهُ روح بن عبَادَة كَمَا تقدم عَن رِوَايَة ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ وحجاج كَمَا تقدم من رِوَايَة أبي دَاوُد وَعبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي روَّاد كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَيَحْيَى بن سعيد كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة رَوَوْهُ عَن ابْن جريج، وَقَوله: «وَلَا يُدْرَى من هُوَ» لَيْسَ بجيد فَهُوَ أَبُو خَالِد الدالاني يزِيد بن عبد الرَّحْمَن، كَذَا سَمَّاهُ يزِيد عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه وَابْن عدي كَمَا سلف وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سلف، فِي بَاب الْأَحْدَاث، وَيحْتَمل أَيْضا أَنه يزِيد بن عبد الله الْقرشِي إِن كَانَ فِي طبقته، وَهُوَ من رجال النَّسَائِيّ، وثقات ابْن حبَان، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ مَا نَصه: يروي عَن ابْن عَبَّاس وجرهد، وَمُحَمّد بن جحش عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الفخذُ عَورَة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والخلافيات فِي هَذِه الثَّلَاثَة: هَذِه أَسَانِيد صَحِيحَة يحْتَج بهَا. قلت: وَخَالفهُ غَيره فِي ذَلِك، قَالَ ابْن حزم فِي محلاه: فَإِن ذكرُوا الْأَخْبَار الْوَاهِيَة فِي أَن الْفَخْذ عَورَة فَهِيَ سَاقِطَة، أما حَدِيث جرهد فَإِنَّهُ عَن ابْن جرهد وَهُوَ مَجْهُول، وَعَن مجهولين، ومنقطع قَالَ: وَمن طَرِيق ابْن جحش فِيهِ أَبُو كثير وَهُوَ مَجْهُول، قَالَ: وَمن طَرِيق ابْن عَبَّاس وَفِيه يَحْيَى القَتَّات وَهُوَ ضَعِيف، وَذكره فِي مَوضِع آخر وَقَالَ: مَجْهُول، ثمَّ أعل حَدِيث عَلّي بِمَا أسلفته عَنهُ.
وَأَقُول: قد أسرف فِي قَوْله: «إِنَّهَا أَخْبَار سَاقِطَة» فَإِن حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي يَحْيَى القَتَّات- بقاف، ثمَّ مثناة فَوق، ثمَّ ألف، ثمَّ مثناة فَوق أَيْضا- عَن مُجَاهِد عَنهُ قَالَ: «مر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى رجل فَخذه خَارِجَة، فَقَالَ: غط فخذك فَإِن فَخذ الرجل من عَوْرَته». هَذَا لفظ أَحْمد وَالْحَاكِم، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ مُخْتَصرا «الْفَخْذ عَورَة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا نَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: وَأَبُو يَحْيَى هَذَا اسْمه: زَاذَان، أَو يزِيد، أَو دِينَار، أَو عبد الرَّحْمَن بن دِينَار، أَو مُسلم أَقْوَال لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم كَمَا قَالَ أَبُو عمر، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: ضَعِيف عِنْدهم، وَأَحْسَنهمْ فِيهِ رَأيا الْبَزَّار؛ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا نعلم بِهِ بَأْسا، فقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم وَاحْتَملُوا حَدِيثه وَهُوَ كُوفِي مَعْرُوف، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ضعفه شريك وَيَحْيَى، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى فِي رِوَايَة، وَقَالَ أَحْمد: رويت عَنهُ أَحَادِيث مَنَاكِير جدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقَالَ ابْن حبَان: فحش خَطؤُهُ، وَكثر وهمه، حَتَّى سلك غير مَسْلَك الْعُدُول فِي الرِّوَايَات.
قلت: فنسبة ابْن حزم الْجَهَالَة إِلَيْهِ إِذن غَرِيب من يكون هَذَا حَاله كَيفَ يكون مَجْهُولا؟!، وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن جحش فَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي كثير مولَى مُحَمَّد بن جحش، عَن مُحَمَّد بن جحش- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه مر عَلَى معمر مُحْتَبِيًا كاشفًا عَن طرف فَخذه، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: خمر فخذك يَا معمر فَإِن الْفَخْذ عَورَة».
وَأَبُو كثير هَذَا حجازي يُقَال: إِن لَهُ صُحْبَة رَوَى لَهُ النَّسَائِيّ فدعوى ابْن حزم جهالته إِذن غير جَيِّدَة، وَقد تبعه فِي هَذَا ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَا يعرف حَاله، وَتَصْحِيح الْبَيْهَقِيّ السالف لَهُ فرع عَن معرفَة حَاله، وَأما حَدِيث جرهد فَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن أبي النَّضر، عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: وَكَانَ جدي من ًاصحاب الصّفة قَالَ: «جلس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي وفخذي مكشوفة، فَقَالَ: خمر عَلَيْك، أما علمت أَن الْفَخْذ عَورَة». قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّقَصِّي: هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ عِنْد ابْن بكير وَجَمَاعَة، وَقَالَ غَيره: هَكَذَا يَقُول ابْن معِين وَابْن مهْدي وَجَمَاعَة عَن أَبِيه، عَن جده جرهد، وَقَالَ ابْن بكير وَابْن طهْمَان وَغَيرهمَا: عَن زرْعَة، عَن أَبِيه وَكَانَ من أَصْحَاب الصّفة لَا يذكرُونَ جده، وَكَذَلِكَ أخرجه عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب الإِمام عَن أبي الزِّنَاد عَن آل جرهد، عَن جرهد بِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد، ثَنَا ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن زرْعَة بن عبد الله بن جرهد، عَن جرهد «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر عَلَى جرهد وفخذ جرهد مكشوفة فِي الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جرهد، غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك، عَن أبي النَّضر، عَن زرْعَة، عَن أَبِيه قَالَ- كَانَ جرهد من أَصْحَاب الصّفة أَنه قَالَ- «جلس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا وفَخذي مكشوفة فَقَالَ: أما علمت أَن الْفَخْذ عَورَة».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الاسْتِئْذَان من جامعه من ثَلَاث طرق:
إِحْدَاهَا: من حَدِيث زرْعَة بن مُسلم بن جرهد الْأَسْلَمِيّ، عَن جده جرهد قَالَ: «مر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بجرهد فِي الْمَسْجِد وَقد انْكَشَفَ فَخذه، فَقَالَ: إِن الْفَخْذ عَورَة».
ثَانِيهَا: من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عبد الله بن جرهد الْأَسْلَمِيّ، عَن أَبِيه مَرْفُوعا «الْفَخْذ عَورَة».
ثَالِثهَا: من حَدِيث معمر عَن أبي الزِّنَاد، أَخْبرنِي ابْن جرهد، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ وَهُوَ كاشف عَن فَخذه فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: غط فخذك، فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة».
ثمَّ قَالَ فِي هَذِه الطَّرِيق: هَذَا حَدِيث حسن، وَقَالَ فِي الثَّانِي هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: وَرِجَاله إِلَى ابْن عقيل رجال الصَّحِيح؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى وَهُوَ من فرسَان مُسلم، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ ومطين عَن يَحْيَى بن آدم، وَهُوَ من فرسَان الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن، عَن الْحسن بن صَالح وَهُوَ من فرسَان مُسلم، وَابْن عقيل قد أسلفنا حَاله فِي الْوضُوء وَابْن حزم يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي الأول: حسن مَا أرَى إِسْنَاده بِمُتَّصِل، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أبي معشر، نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصَّواف، نَا أَبُو عَاصِم، عَن سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد، عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن جده جرهد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر بِهِ وَقد كشف فَخذه، فَقَالَ: غطها فَإِنَّهَا عَورَة».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي كتاب اللبَاس من مُسْتَدْركه عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْموصِلِي، ثَنَا عَلّي بن حَرْب، نَا سُفْيَان، عَن سَالم أبي النَّضر، عَن زرْعَة بن مُسلم بن جرهد، عَن جده جرهد «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أبصره، وَقد انْكَشَفَ فَخذه فِي الْمَسْجِد وَعَلِيهِ بردة، فَقَالَ: إِن الْفَخْذ من الْعَوْرَة». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، ثمَّ ذكر لَهُ شَوَاهِد.
وَرَوَاهُ يَحْيَى بن معِين عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب الإِمام عَن ابْن عُيَيْنَة، قَالَ يَحْيَى: ونا سُفْيَان أَيْضا، عَن سَالم أبي النَّضر، سَمعه من زرْعَة بن مُسلم بن جرهد «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بجرهد هَذَا، وَقد انْكَشَفَ فَخذه فَقَالَ: غطها فَإِن الْفَخْذ عَورَة».
وَقَالَ أَبُو أُميَّة بن يعْلى: عَن أبي الزِّنَاد، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن سُلَيْمَان بن جرهد، عَن جرهد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهِ وَهُوَ كاشف فَخذيهِ».
وَرَوَاهُ مُوسَى بن هَارُون الْحَافِظ من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن جرهد، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر عَلَيْهِ وَهُوَ كاشف عَن فَخذه، فَقَالَ: غطها؛ فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة».
قَالَ ابْن الْقطَّان ثمَّ صَاحب الإِمام: لهَذَا الحَدِيث عِلَّتَانِ: إِحْدَاهمَا: الِاضْطِرَاب الْمُورث سُقُوط الثِّقَة بِهِ، وَذَلِكَ أَنهم يَخْتَلِفُونَ فِيهِ: فَمنهمْ من يَقُول: زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن، وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة بن عبد الله، وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة بن مُسلم، ثمَّ من هَؤُلَاءِ من يَقُول: عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أَبِيه، عَن جرهد، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من يَقُول: عَن زرْعَة، عَن آل جرهد عَن جرهد عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِن كنت لَا أرَى الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد عِلّة. فَأَما ذَلِك إِذا كَانَ من يَدُور عَلَيْهِ الحَدِيث ثِقَة، فَحِينَئِذٍ لَا يظْهر اخْتِلَاف النقلَة عَنهُ إِلَى مُسْند ومرسل، أَو رفع، أَو وقف، أَو وصل، أَو قطع. وَأما إِذا كَانَ الَّذِي يضطرب عَلَيْهِ جَمِيع هَذَا أَو بعضه غير ثِقَة أَو غير مَعْرُوف، فالاضطراب حِينَئِذٍ يكون زِيَادَة فِي وهنه، وَهَذِه حَالَة هَذَا الْخَبَر، وَهَذِه الْعلَّة الثَّانِيَة؛ وَذَلِكَ أَن زرْعَة وأباه غير معروفي الْحَال وَلَا مشهوري الرِّوَايَة.
قلت: بلَى هما معروفان، قَالَ ابْن حبَان فِي ثقاته: فِي التَّابِعين زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد الْأَسْلَمِيّ من أهل الْمَدِينَة، يروي عَن جرهد، رَوَى عَنهُ أَبُو الزِّنَاد وَسَالم أَبُو النَّضر. قَالَ: وَمن زعم أَنه زرْعَة بن مُسلم بن جرهد فقد وهم. قَالَ: وَقد رَوَى قَتَادَة، عَن زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن رَاشد بن حُبَيْش، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَفِي التذهيب مُخْتَصر التَّهْذِيب: زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن بن جرهد الْأَسْلَمِيّ، وَقيل: اسْم أَبِيه مُسلم رَوَى عَن أَبِيه، عَن جده «الْفَخْذ عَورَة»، وَعنهُ سَالم أَبُو النَّضر، وَأَبُو الزِّنَاد وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ. وَأما وَالِده عبد الله بن جرهد فَذكره ابْن حبَان أَيْضا فِي ثقاته وَقَالَ: رَوَى عَنهُ ابْن عقيل إِن كَانَ حفظه. وَقد حسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه كَمَا مر، وعبد الرَّحْمَن بن جرهد رَوَى عَنهُ مَعَ ابْنه ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ الإِمَام، وَأخرج الحَدِيث من جِهَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وقد علم شدَّة تحريه فِي الرِّجَال. ونختم الْكَلَام عَلَى ذَلِك بخاتمتين:
الأولَى: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: أصلح هَذِه الْأَحَادِيث حَدِيث عَلّي، وَحَدِيث مُحَمَّد بن جحش قلت: وَفِي تَقْدِيمه عَلَى حَدِيث جرهد وَقْفَة لما علمت من حَاله، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه: حَدِيث أنس أسْند، وَحَدِيث جرهد أحوط حَتَّى يُخرج من اخْتلَافهمْ يُشِير إِلَى حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: «حُسرِ الْإِزَار عَن فَخذ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
الثَّانِيَة: حَكَى الْخَطِيب فِي الرجل الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة» ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: جرهد بن خويلد الْأَسْلَمِيّ. ثَانِيهَا: قبيصَة بن مُخَارق الْهِلَالِي. ثَالِثهَا: معمر بن عبد الله بن نَضْلَة الْعَدوي، وَقد أسلفنا فِيمَا مَضَى التَّصْرِيح بِهَذَا وَالْأول، وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي إِيضَاح الْإِشْكَال: هُوَ يعِيش بن طخفة الْغِفَارِيّ. فَقَالَ: الرجل الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «غط فخذك فَإِن الْفَخْذ عَورَة» من رِوَايَة حبيب بن أبي ثَابت، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس مَعَ الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي إسناديهما، قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر عَلَى رجل- وَهُوَ يعِيش بن طخفة الْغِفَارِيّ- قَالَ: وَقيل غير ذَلِك.